ملك وثلاثة رؤساء حكموا مصر
الكتاب ممتع
حقا، شهاداته واعترافاته التي شملت أكثر من 70 شخصية مثلت في مواضع كثيرة صدمة
لصدقها وموضوعيتها ونزاهتها، حيث ألقت الضوء على تأثير وانعكاسات الظروف السياسية
الداخلية والخارجية التي أحاطت بأربعة حكام حكموا مصر هم:
الملك
فاروق، والرؤساء محمد نجيب وجمال عبد الناصر وأنور السادات.
الكتاب
"ملك وثلاثة رؤساء" لطارق حبيب، صدر عن دار الشروق أخيرا، وجمع شهادات
واعترافات مجموعة كبيرة من الشخصيات التي ارتبطت بحكام مصر على مدى السنوات من
1922 إلى 1981، وكان هذا الارتباط إما بصلة الدم والنسب أو بحكم الزمالة والعمل،
علاوة على شخصيات أخرى عاصرتهم واقتربت منهم سواء كان ذلك في أولى سنوات صباهم
وشبابهم أو في سنوات مجدهم وحكمهم.
"لقد ظلم الملك فاروق ظلما كبيرا" هكذا رأى حسين الإتربي ويضيف:ظلم إلى أن ضاقت نفسه بتحمل هذه الأثقال:
أثقال عائلية، وأثقال سياسية كنا نعيش في ظلها، وأثقال رفض اللورد "كلن"
وكره الإنجليز له، ورغبتهم في عزله بأي طريقة.
كان الملك فاروق وطنيا فوق التصور
لم يشرب الخمر أبدا ولم تكن له علاقات نسائية
رغم ظهوره هكذا أمام الناس
هكذا يعترف فؤاد سراج الدين الذي كان يتولى وزارة
الداخلية في فترة ما قبل الثورة وأحد أعضاء حزب الوفد البارزين.
ولقد
خرج فاروق من مصر ببذلته فقط وبناته الأميرات لم يكن معهن ملابس أيضا، إذن أين ذهبت
ثروته وثروة عائلته وثروة الدولة المتمثلة في هدايا الملوك والرؤساء له باعتباره
ملك مصر، يعترف محمود الجوهري:
لأول
مرة أذكر أن قصر عابدين وحده كان به حوالي 152 خزينة دقيقة جدا، لا تفتح إلا
بأرقام سرية" هذه الخزائن كانت تضم ثروات هائلة لا تقدر قيمتها بثمن، يقول
الجوهري"هذه الثروة بالكامل استلمتها لجان، ولم يحدث أن شخصا بمفرده تصرف في
شيء".
أين ذهبت هذه
الثروة، بعضها كما يقال في خزائن البنك الأهلي والبعض ـ أيضا كما قيل ـ بيع في
مزادات، حيث فتحت أبواب قصر عابدين لكل من هب ودب من تجار محترفين وهواة وغير ذلك،
يقول صلاح شعراوي:
كان من الخطأ بيعها في طريق المزاد العلني لأن
المزادات كان أغلبها تجارا، فقد بيعت مجموعة "ورقة البوسطة" رخيصة جدا
لأن التجار قاموا بشرائها بثلث قيمتها الحقيقية، والبعض يقول فلان أخذ خاتم، أو
فلان باع كذا أو المقتنيات موجودة في البنك الأهلي، وقصصا أخرى طويلة، لكني كمصري
لن أدافع عن أحد ولن أتهم أحدا.
شخصيا راودني
كثيرا خاصة وأنني راجعت فترتي الملك فؤاد والملك فاروق السؤال عن ثروة العائلة
الملكية والقصور الملكية وقد ثبت أن فاروق وعائلته لم تخرج بشيء من مصر، هذه
الثروات التي صادرتها الثورة، كونها لم تكن فقط ثروة مالية طائلة ولكن تحفا فنية
يندر أن يجود بها الزمان، تضم هدايا دول وأفراد لأسرة محمد علي باشا مؤسسة مصر
الحديثة حتى الملك فاروق.
على أية
حال ما يقرأ بين سطور اعترافات وشهادات شخصيات الكتاب
قد تشي بإجابات صادمة عما ارتكب من جرائم في حق
مصر
وثروتها
ممثلة فيما تركه فاروق وعائلته.
إن الظلم الذي
وقع على الملك فاروق ربما نكون شخصيته وظروفه الخاصة شريكة فيه، أما الرئيس محمد
نجيب فإن ما وقع له يشكل مأساة بكل المقاييس، تكشف الوجه القبيح لثورة 23 يوليو
وقادتها، ولا أخفي أن قراءة كتاب د.رفعت يونان "محمد نجيب زعيم ثورة أم واجهة حركة؟"
وهو عبارة عن دراسة لشخصية اللواء محمد نجيب، وقراءة
الفصل الخاص به في هذا الكتاب، هز رؤيتي لقادة ثورة يوليو، وذهب بي بعيدا إلى كون
هؤلاء لم يخرجوا بالثورة من أجل مصر وإنما من أجل السلطة وأهواء وخيارات شخصية،
وأكد لي مقولة الفنانة تحية كاريوكا "ذهب فاروق وأتى فواريق".
إن ما جرى
للرئيس محمد نجيب مهما قيل عن مبررات وأسباب ذلك
ما ارتكب بحقه يكشف عن تردي الرؤية
والاستراتيجية
التي انطلقت منها أفكار هؤلاء الذين حكموا بعده.
إن ما لا يعرفه الكثيرون أن الرئيس محمد نجيب صاحب تاريخ
وطني طويلة، لم يكن أحد من الضباط الأحرار يملكه ربما باستثناء أنور السادات، وكان
مثقفا ثقافة عالية ويجيد عدة لغات منها الألمانية والإنجليزية والفرنسية، لم يكن
مجرد ضابط فقط لكنه كان خريج كلية الحقوق وحاصل على دراسات خاصة بالسودان.
يقول ثروت عكاشة"كان الرئيس محمد نجيب قائدا مرموقا في الجيش، وذلك لأسباب ثلاثة أولها: خلقه الرفيع، وثانيها ثقافته الواسعة، فقد كان خريج كلية أركان الحرب وحاصلا على ليسانس
الحقوق، ويجيد أكثر من لغة، وثالثها شجاعته الفائقة أثناء القتال في حرب فلسطين
التي نال عليها أرفع الأوسمة، كما ظفر بتعزيز الضباط واحترامهم جميعا"
هذا
القائد حول الضباط الأحرار حياته إلى مأساة،
يكاد المرء يطيقها حين يقرأها، فما بالنا بالذي
عاشها، رحمة الله عليه.
الرئيس الثاني جمال عبد الناصر الذي تلبسته الزعامة، فملأ الدنيا ضجيجا لم يحقق من خلاله نصرا يذكر، والانتصارات
التي حققها تساوت مع هزائمه، بنى السد العالي وهدم الإنسان المصري، يقول أنيس
منصور "أنا لا أعتقد أنه حدث في تاريخ مصر تعذيب كما
حدث في عهد عبد الناصر"، ويقول رشاد مهنا "رجل قضى على المصري ماديا
ومعنويا".
لكن الأخطر ما
تضمنته شهادة برلنتي عبد الحميد
حول موت المشيرعبد الحكيم عامر شريك عبد الناصر وصديقه الصدوق"الدكتور على محمد
دياب متخصص سموم بالمركز القومي للبحوث قدم تقريرا بناء على تكليف من النائب العام
في ذلك الوقت، والذي تعرض إلى حاجات كثيرة وبعدما استمع إلى أقوال الشهود واطلع
على التحليلات والنتائج وصل إلى نتيجة أنها ليست حادثة
انتحار وإنما قتل متعمد مع سبق الإصرار وده حسب نص تقريره".
أظن أن تعليقا
لا يمكن أن يذكر عقب هذا الكلام للسيدة برلنتي عبد الحميد في أمر المشير عبد
الحكيم عامر الصديق الصدوق للرئيس عبد الناصر، والذي كان وراء اختيار الرئيس محمد
نجيب رئيسا لمجلس قيادة الثورة وهو من عرّف بعبد الناصر!!.
لا شك أن ثمة
أهدافا وطنية للرئيس عبد الناصر، لكن أهدافا دون رؤية أو استراتيجية ضاعت في مهب
الريح وجلبت لمصر الكثير من الويلات، ماذا كان هدفه من
حرب اليمن؟
ماذا
كان هدفه من الوحدة مع سوريا؟
ماذا كان
هدفه من قتل الأحزاب وقمع الحريات وتدمير دور المجتمع المدني؟
وهلم جرا.
ويشترك
الرئيس أنور السادات مع الرئيس محمد نجيب في التاريخ الوطني ولكن يختلف معه في
الحنكة السياسية والدهاء والمكر الذي تمتع بهم السادات.
لا أحد ينكر أن للسادات سلبيات لكن لا أحد ينكر أيضا عليه خروجه
بمصر من قمقم الديكتاتورية الناصرية، يقول السادات لأنيس منصور حين سأله
مرة "يا ريس أنت أيام عبد الناصر لم يكن لك رأي، كانوا هم بيقولوا إن أنت ما
لكش رأيي، وكل ما يحدث أزمة تعمل "عيان" وتروح "ميت أبو
الكوم" فرد الرئيس السادات على أنيس بما معناه إن جمال عبد الناصر لم يكن يقبل أي رأي والذي
يقول رأي يطيح به".
وتبقى
الاعترافات والشهادات في هذا الكتاب تطرح الأسئلة وتجيب عليها مرة بشكل مباشر
ومرات بشكل غير مباشر من بين السطور.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق