السبت، 8 سبتمبر 2012

التحرُّش الجنسي من منظور إسلامي




التحرُّش الجنسي من منظور إسلامي

 أ.د. عبد الفتاح إدريس*أستاذ العلوم الشرعية في جامعتي الأزهر والإمارات . من نتائج ضعف الوازع الديني في نفوس الكثيرين وانحسار أثره فيها ، ما فُوجئت به المجتمعات وخاصة الإسلامية بين الفينة والفينة من مظاهر ذلك وتداعياته ، والذي تظهر آثاره في انتشار مقاه (الإنترنت) ونواديه ، وانكباب الجنسين في هذه المقاهي والنوادي وغيرها علي اتصال أفراد كل جنس بأفراد الجنس الآخر عن طريق ما يُسمي (chattig) ، الذي يعدُّ نوعًا من التحرُّش الجنسي بين مَنْ يستخدمونه ، أو الدخول إلي المواقع التي تبث أو تعرض صورًا لا يحل مشاهدتها ، وغير ذلك مما أتاحته شبكة (الإنترنت) هذا فضلاً عمّا يفعله بعضهم من مطاردة النساء في مواضع تجمعهن ، كالأسواق أو معاهد العلم ومدارسه ، أو المشافي أو المصالح الحكومية أو الدواوين وغيرها ، والتي تصل في بعض الأحيان إلي حد إسماع الأنثى كلمات الغزل ، أو وصفها بأوصاف بغية لفت انتباها ، أو تضييق الطريق عليها ، سواء أكانت تسير مُترجلة أم راكبة بمفردها مع غيرها ، وإلقاء البطاقات التي تحمل أرقام الهواتف بداخل السيارة ، أو ملاحقتها بسيارته لإرباكها وإجبارها علي التوقف إن كانت تقود السيارة ، أو إكراها بذلك علي السير في الطريق الذي يريدها أن تسلكه ، ونحو ذلك ،

وكل هذا حادث ويحدث ويتجدد حدوثه ، ونظرًا إلي انشغال الناس بأمورهم الخاصة وانكفائهم علي ذواتهم ، وعدم القيام بواجب الأمر بالمعروف وإنكار المنكر ، استفحل هذا المنكر بدرجات متفاوتة في المجتمعات الإسلامية ، ولما كان الغالب هو تحرش الذكور بالإناث فإني أتناول في هذه العجالة أسباب ذلك ، وتداعياته ، وحكمه ، والسبيل إلي الإقلاع عنه .
 المقصد الأول : حقيقة التحرُّش الجنسي


التحرُّش : هو التحكُّك والتعرُّض
والتحريش : هو الإغراء بين الناس
والحَرْش والتحريش : هو إغراء الإنسان والأسد ليقع بقرنه
وحَرّش بينهم : أفسد وأغري بعضهم بعضًا
والحرش والاحتراش تهييج الضبَّ في جحره ليُصاد ، يُقال : حرش الضبَّ يحرشه حرشًا صاده ، والاحتراش في الأصل هو الجمع والكسب والخداع ، ومن ثم فإن تحرش أحد الجنسين بالآخر يُراد به إتِّباع الحيلة والخداع للإيقاع به ونيله


المقصد الثاني : أسبابِ التحرُّش بالنساء


إن لتحرُّش الذكور بالإناث أو العكس أسبابًا عدة ، يمكن إجمالها فيما يلي :1ـ غياب الوازع الديني أو انحساره من النفوس :


لا يخفي علي أحد انحسار الوازع الديني في نفوس الكثيرين ، ليحل محله اللهث وراء ماديات الحياة ، واستجلابها من وجوهها المشروعة وغير المشروعة ، بحسبانها في نظر بعضهم وسيلة إشباع الحاجات ، المتنامية بتنامي وجوهها الْمُعلَنْ عنها بوسائل الإعلام فضلاً عن استيراد ثقافة غير المسلمين وتبنِّيها ، سواء أكانت وافقت أحكام الشرع أم خالفته ، والانبهار بما وصلت إليه الدول المتقدمة من حضارة ورقي ، وترسم أخلاق أهلها ومبادئ سلوكهم والتأسِّي بهم فيها ، بحسبان ذلك وفق ما يري بعضهم هو سبب تقدمهم ورقيهم ، وقد جرَّ هذا وما يزال علي المسلمين الشر كله . 2ـ الفراغ :


لقد قيل : إن الصحة والفراغ والجدَة  مَفْسَدة للمرء أي مُفْسِدَةولا يستغرب أن يكون الفراغ من الأسباب التي تدفع بعضهم إلي التحرش بالنساء ، فإن المرء إذا كان له من العمل ما يشغله جل وقته أو بعضه ، فإنه لن يجد متسعًا من الوقت لمجرد التفكير في التحرش بهنَ ، فضلاً عن ملاحقتهن في أماكن تجمعهن ، أو محاولة الاتصال بهنَ ، أو غير ذلك من وجوه التحرش ، وأما من لا تشغله هموم الحياة ولآلأؤها ، وتوافرت له سُبل الحياة الرغدة وخلَت حياته من المنغصات كما خلت مما يشغله ، فإنه لا يفتأ يتفكَّر فيما هو منجذب إليه بحسب طبيعته وجبلته ، وهو النساء تدفعه شهوته البهيمية ونزواته إلي محاولة التحاور معهنّ ، وتحقيق نوع من العلاقة بهنّ تملأ فراغ حياته وتسد جانبًا من الجوانب الخاوية فيها . 


3ـ فقدان الاهتمامات النافعة :


إنّ فقدان الاهتمامات النافعة لكل ذي طاقة ، يترتب عليه إفراغها فيما لا يفيد ، ولذا فإن واجب المرء أن تكون لديه اهتمامات يملأ بها فراغه ، كالاطِّلاع علي ما ينفع ، أو ابتكار أو تطوير ما يعود عليه وعلي غيره بالنفع ، أو الاشتغال بعمل أو حرفة أو صنعة أو علم أو رياضة ، أو نحوها من الشواغل النافعة ، ولذا فإن انعدام هذه الشواغل أو الاهتمامات لدي البعض يكون باعثًا إلي تحويل طاقته إلي اللهو والعبث ونحوهما ، ومنها ذلك التحرُّش . 4ـ غياب دور الأسرة :


لا يخفي أن علي الأسرة دورًا فاعلاً في تأسيس الخلق القويم في نفوس المنتمين إليها ، إضافة إلي إحكام الرقابة عليهم ، لتبين ما إذا كانوا يمارسون هذا الخلق في الواقع أم أنهم يتنكبون عليه ، فلما انشغل القائمون علي أمر الأُسرة في اهتمامات أُخرى : كتدبير أسباب العيش لأفرادها أو أسباب الرفاهية لهم ، غاب دور الأسرة في توجيههم ومراقبة سلوكهم ، فكان من الطبيعي أن يمارس بعض أفرادها ما يشاءون من سلوك ، ولو كان فيه منافاة لوازع الدين والأخلاق ، وهم في مأمن من أن يحاسبهم أحد أو يعلم بممارساتهم . 


5ـ عدم وجود منكر لهذا السلوك أو عدم احترامه :


إنّ طابع الحياة صبغ الناس بصبغة الانكفاء والاهتمام بشئونهم الخاصة ، من دون نظر أو اهتمام بسلوك الآخرين ، فالناس في زماننا لا يلوون علي شيء إلاّ إذا دعت إليه حاجتهم الخاصة ، وقد كان لهذا الانكفاء أثره في ضمور أو انعدام مساحة إنكار المنكر ، فلم يعد لدي الكثيرين من الوقت ما ينكرون فيه منكرًا ، لما يقتضيه ذلك من الاستفصال من فاعله عن مدي معرفته لحقيقة ما يفعل ، وبيان وجه المنكر في فعله أو قوله أو سلوكه ، ثم زجره عنه ، وهذا يقتضي المزيد من الوقت لإقناع فاعل المنكر بحرمة ما أقدم ويقدم عليه ، وزجره عن استمرائه أو الاستمرار فيه ، ولا يجد الكثيرين متسعًا من الوقت لذلك ، وربما لم يجدوا رد فعل لإنكارهم إلاّ الاستهزاء والسخرية من فاعله ، مما يجعل بعضهم يكف عن الإنكار ، أو يجد أنه لا جدوى من إقناعه بالكف عمّا هو فيه ، والنتيجة في الحالين واحدة ، وهي استمرار فعل المنكر .


6ـ البطالة المقنعة وغير المقنعة :


لا ينكر أحد انتشار البطالة بين قطاع كبير من الناس وإن كانت نسبته متفاوتة من بلد إلي آخر ، ومن إفرازات هذه البطالة التسكُّع في الطرقات وغيرها لقتل الوقت وعدم التفكير في مصاعب البحث عن العمل ، بل إن من الموظفين من يجد لديه وقت فراغ طويل ، قد يمتد من بداية الدوام إلي نهايته ، فيجتهد في ملء هذا الفراغ ، إما بالخروج من مكان العمل إلي الأسواق أو الشوارع ، أو نحو ذلك من أمور إلي أن ينتهي وقت الدوام ، وقد يكون التحرش بالنساء في مجال العمل أو خارجه هو أحد اهتماماته لتمضية الوقت ، والقضاء علي الملل . 7ـ الكبت العاطفي في محيط الأُسرة :


لا يغفل دور الكبت العاطفي في محيط الأُسرة في تفشي ظاهرة التحرش الجنسي ، فإن عاطفة الحب والحنو والرحمة والاهتمام والحميمية التي تربط بعض الأفراد ببعض ، إن لم تجد متنفسًا لها داخل الأسرة ، بحث من يعانيها عن متنفس لها خارج الأسرة ، لأن هذا هو البديل من وجهة نظره في تعويض ما يعانيه من تجاهل أفراد أسرته له ، ليجد هذا في صديق أو جار أو زميل دراسة أو عمل أو شخص عابر ، وربما بحث عن امرأة أملاً في أن يجد عندها ما افتقده في أُسرته . 8ـ عدم توجيه المال الذي يحوزه المرء الوجهة الصحيحة :


إنّ كثرة المال مفسدة كقلّته ، ولذا فإن الملاءة في حق بعض الناس شر محض ، إذا استغلت في غير ما يعود عليه بالنفع ، ولذا فقد يجد بعضهم أن كثرة المال معه لا حاجة إلي استغلالها فيما يشغل وقته ويعود عليه بالنفع ، ومن ثم فإن قناعته أن ينفقها في عبثه ولهوه وملذاته من دون تدبُّر لمغبَّة سلوكه . 9ـ عدم وجود الأنشطة الجماعية:


من أسباب التحرش الجنسي انعدام أو ندرة الأنشطة الجماعية ، التي تخلق الاهتمامات المشتركة وتمتص كثيرًا من وقت الفراغ ، كالاهتمام بنظافة البيئة وتخليصها من كل ضار ، أو الاشتراك في الرحلات الكشفية أو الصحية أو التثقيفية ، أو الارتياض الجماعي بنوع من الرياضات البدنية أو الذهنية أو نحوها . 10ـ انعدام أو ندرة البرامج الهادفة في وسائل الإعلام :


إنّ الغالب علي وسائل الإعلام وخاصة في دول العالم الثالث ، هو إلهاء الناس بقضايا عَبَثيّة مقصودة ومخطط لها سلفًا تخطيطًا دقيقًا ، لإشغالهم بها عن الفساد الذي باض وفرّخ في أرجاء بلادهم ، فوسائل الإعلام في هذه الدول علي اختلاف توجهاتها إلاّ ما نَدَر ، إنما تعني بما يضمن استمرار رسالتها وإن لم تقدم جديدًا يُثري الفكر أو يطوّر منه ، وكل هذا يصبُّ في الجانب السلبي لاهتمامات المخاطبين بها ، فتكون النتيجة انصرافهم عنها وانشغالهم بأمور قد لا يكون فيها نفع لهم . 11ـ الكثرة الكاثرة للفضائيات التي رسالتها علي إثارة الغرائز :


لا ينكر دور التلفاز كوسيلة إعلامية تقتحم علي الناس بيوتهم شاءوا أم أبوا ، وخطر هذا الجهاز وقوّة تأثيره في مشاهديه علي اختلاف مراحلهم العمرية وثقافتهم ، ومع ما ألمحنا إليه في السبب السابق نجد غلبة الفضائيات التي تثير برامجها الغرائز ، وكثرة تنوع ما تبثه منها ، ومع انعدام الرقابة الأسرية يرقب هذا البث من يريده من أفراد الأسرة ، فيتأثر به ، يُضاف إلي هذا أن بعض مذيعات ومُقدمات البرامج في فضائيات البلاد الإسلامية ، لا يلتزمن في مظهرهنّ بأحكام الإسلام ، إمّا نهجًا لهنّ ، أو لفرض التبرُّج عليهنّ كشرط لمزاولة العمل ، وهذا وذاك يلقي بآثاره علي المشاهد . 12ـ غياب الوعي الديني السوي في مخاطبة الناس :


في ظل الأوضاع المتردية في بلاد الإسلام أو التي يوجد فيها مسلمون ، نجد أن الخطاب الديني فرضت عليه رقابة صليبية صهيونية ، ولذا فلا عَجَب أن نجد صرامة الرقابة علي ما يُبَثُّ أو يُنشر من هذا الخطاب الآن ، وصار ما يصل إلي المشاهد أو القارئ أو السامع هزيلاً في مادته مشوشًا في محتواه ، يغلب عليه الاختزال والبتر حتى لا يؤذي أحدًا ممن وضع نهج هذا الخطاب ، وإذا كان الناشئة من الجنسين لا يجد بغيته من الثقافة الدينية في المحتوي الهزيل للكتب الدراسية ، فإنه لا يجد بغيته كذلك لدي الدُّعاة ألمكممي الأفواه ، أو مواقع (الإنترنت) التي ليس في مقدور كل أحد أن يُبحر في بحرها المتلاطم الأمواج ، نظرًا إلي تنوّع الفكر واختلاف التوجه ودس السم أحيانًا في العسل ، ولذا قد يضل الكثيرون في مواقعه فلا يهتدون . 13ـ الضغوط الاجتماعية في الأسرة أو المجتمع :


إن وضع القيود والعراقيل أمام راغبي الزواج من الجنسين له تداعياته علي الأسرة والمجتمع ، وإذا لم يجد أي منهما سبيلاً مشروعًا إلي التنفيس عن غريزته ضل طريقه ، ولم يأبه لقيم أو أخلاق مجتمعه ، فأفضي ذلك إلي مالا تحمد عقباه . 14ـ فقدان القدوة واضطراب معاييرها :


لا يغفل تبدُّل القُدوة في زماننا ، فقد كانت القدوة والمثال من قبل في أهل العلم والدين والخلق الكريم ، وصارت في زماننا لغيرهم ، ومَن صاروا موضع قُدوة الكثيرين يغلب عليهم عدم الالتزام بأحكام الإسلام ، ولذا فإننا نجد تهالك الناشئة علي ترسُّم خطوهم ، في اللباس والهيئة والسلوك والنهج والحرفة والشهرة . 15ـ تبذُّل بعض النساء وإغرائهنَّ مَن يتحرّش بهنَّ :


إنّ المرأة قد تدفع الرجل إلي التحرُّش بها ، إذا كان في هيئتها أو مشيتها أو كلامها ، أو الموضع الذي تسير به أو الوقت الذي تخرُج فيه ، ما يدفعه إلي ذلك ،

 ولم يحدث في الواقع أن تحرش أحد بامرأة ملتزمة بتعاليم الإسلام عند خروجها لقضاء حاجتها أو لمزاولة عمل مشروع ، وإنما كل حالات التحرش تقع لمن كانت غير ملتزمة بهذه التعاليم .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق