الرئيس أنور السادات يتوسط الفريق أول أحمد إسماعيل وزير الحربية والفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية
ذكرى العبور وحتى لا
ننساهم
جريدة الأهرام 4/ 10/ 1974
س - ماذا كانت الفكرة المحورية في وضع خطة حرب أكتوبر
1973؟
ج - كانت إسرائيل، خلال السنوات السبع الماضية، لا تتكلم عن شيء إلا عن
الحدود الآمنة ونظرية الحدود الآمنة، كأنها اخترعت موضوعاً جديداً. واستمرت تقنع
العالم بهذه النظرية وبكثرة ترديدها لها، وأصدرت بشأنها كتباً ملأت بها دنيا.لذلك، كان طبيعياً أن يكون أول هدف سياسي استراتيجي لأي عمليات للقوات المسلحة المصرية هو إثبات فشل هذه النظرية، وأن هذه النظرية ما هي إلا وسيلة للتمسك بالأراضي المحتلة. لذلك، كان الهدف السياسي الاستراتيجي الذي كلفت به القوات المسلحة من الرئيس هو إثبات فشل نظرية الأمن الإسرائيلية التي تعتمد على الحدود الآمنة.
وعلى ضوء هذا الهدف، وصلنا إلى أن تحقيقه يتطلب من القوات المسلحة: هزيمة قوات العدو الإسرائيلي في سيناء والهضبة السورية، والاستيلاء على مناطق ذات أهمية استراتيجية تهيئ الظروف المناسبة لاستكمال تحرير الأراضي المحتلة بالقوة، لفرض الحل السياسي العادل للمشكلة.
وبناء على هذا الهدف الواضح، كان على القيادة المصرية أن تخطط للقيام بعمليات هجومية استراتيجية مشتركة، تنفذ بالتعاون مع القوات المسلحة السورية وتقوم فيها مصر بالاقتحام المباشر لقناة السويس، وتدمير خط بار - ليف، والاستيلاء على "رؤوس كباري" بعمق 10 - 15 كيلومتراً على الضفة الشرقية للقناة، وتكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة، وصد وتدمير هجمات العدو المضادة، وتطوير الهجوم شرقاً لتحقيق مهمة القوات المسلحة.
وقد تحقق هذا الهدف كاملا. لقد ثبت لإسرائيل والعالم أن نظريتها في الحدود الآمنة باطلة. وبالتالي، انكشفت حجتها في الاستيلاء على الأراضي العربية بالقوة، وانكشفت رغبتها الحقيقية في التوسع والضم.
وكما قال مؤلف أجنبي: إن إسرائيل انتصرت سنة 1967 من حدود غير آمنة، وهزمت سنة 1973 من حدود آمنة!
س - ولكن
إسرائيل خرجت ولا شك من الحرب بدروس كثيرة، وهذا ما تقوله علناً. فهي، مثلا، تنمي
جيشها النظامي لأن الاحتياطي ثبت عدم فعاليته بنفس الدرجة، وغير ذلك. فهل نستعد
بنفس الدرجة للمعركة المقبلة إذا فرضتها الظروف؟
خصوصاً وأن عنصر
المفاجأة لن يتكرر لأحد الطرفين؟ج - بالنسبة لنا، لقد خرجنا من المعركة أحسن وأكفأ مما دخلنا، من حيث النوع والخبرة والمعنويات والتدريب، واستفدنا من خبرة حرب أكتوبر استفادة كاملة.
ولا شك أن المعركة القادمة، إذا قدر لنا أن نقوم بها، ستكون مختلفة تماماً عن الحرب السابقة. ستكون بمفهوم جديد، وبتفكير جديد، وبتخطيط علمي جديد مدروس لكل الاحتمالات المقبلة بنفس روح أكتوبر العظيمة.
أما بالنسبة لعنصر المفاجأة، فإنني أعدكم أن نحصل عليها أيضاً مرة أخرى. فهناك وسائل شتى للحصول عليها، إذ أنها ليست نمطية. واستعدادنا، انتظاراً لأي حرب قادمة، يسير اليوم في مجالات متعددة، منها إعداد القوات بتدريبات جيدة، ورفع الكفاءة الفنية للمعدات، وتطوير قواتنا المسلحة بوجه عام. وأحب هنا أن أسجل أن كل ذلك يتم أيضاً على الجبهة السورية، وأن التنسيق كامل بين الجبهتين. وكنت منذ فترة قصيرة في سورية، وأطمئنكم جميعاً أن التنسيق كامل فعلا.
س - وجغرافياً
واستراتيجيا، هل نحن في وضع أفضل الآن أم أقل؟
ج - أؤكد أننا في وضع أفضل بما لا يقاس. فلنا الآن اتصال بري مع العدو، ولا
يوجد بيننا وبينه مانع مائي، أو خط بارليف.ولا أعني بذلك أننا لا نحافظ على كلمتنا في فصل القوات وانتظار محادثات جنيف والاستعداد لها. وقد تختلف الوسائل والخطط، ولكن لكل مشكلة حلها. إننا نعرف سيناء شبراً شبرا، فهي أرضنا الحبيبة.
س - إن السؤال
الذي ما زال يتردد بعد سنة من الحرب، هو قصة الثغرة. وإسرائيل تحاول إعلامياً أن
تضخمها. ولكننا نعرف أن كيسنجر جاء مسرعاً إلى أسوان يعرض فصل القوات عندما تأكد
لأميركا أننا على وشك القتال من جديد لتصفية الجيب الإسرائيلي. ما هي القصة كاملة؟
ج - أود، أولا، أن أذكر بتسلسل
الأحداث منذ بداية حرب أكتوبر بشكل مختصر جداً، ولكنني أجده لازماً قبل أن أشرح
بعض التفاصيل عن جيب الدفرسوار والخطط التي كانت موضوعة لتدميره.نذكر أن الجيشين الثاني والثالث على مواجهة 175 كم، تمكنا من اقتحام قناة السويس، والاستيلاء على خط بارليف بالكامل، وإنشاء خمسة "رؤوس كباري" بخمس فرق.
ثم وحدت الجيوش رؤوس كباري الفرق في رأس كوبري لكل جيش، وصدت جميع هجمات العدو المضادة وبلا استثناء، وكبدته خسائر جسيمة.
وبعد أن حققنا أهداف هذه المرحلة، وهي الاستيلاء على خط بارليف وإحداث أكبر خسائر للعدو في قوته البشرية وأسلحته ومعداته، وبالنسبة لظروف القتال في سورية في ذلك الوقت، وجد من المناسب الضغط شرقاً على طول المواجهة لجذب احتياطي العدو، سواء طيرانه أو مدرعاته، من جبهة سورية تجاه الجبهة المصرية واكتساب مزيد من الأرض.
وفعلا، تم خلال يوم 14 أكتوبر1973 هذا التطوير الذي وإن لم يحقق أهدافه كاملة إلا أنه حقق الأهداف الرئيسية منه، وهي:
1 - تخفيف الضغط على سورية لسحب طيران العدو ومدرعاته من الجبهة السورية تجاه الجبهة المصرية.
2 - إحداث خسائر فادحة للعدو، وبصفة خاصة في مدرعاته، في معارك كبرى اشتركت فيها من الجانبين أكثر من 1500 مدرعة.
3 - اكتسابنا مزيداً من الأرض، ولكن، في الواقع، ليس كل المنطقة التي كنا قد خططنا لها.
وبسحب العدو لطيرانه ومدرعاته من جبهة سورية وجد العدو أن الحل الأنسب له التركيز بكل قواته وفي اتجاه واحد لإحداث أي اختراق في مواجهتنا والعبور إلى الغرب تحت ستار وقف إطلاق النار المتوقع في ذلك الحين في أي وقت، والذي كانت القوى الكبرى تحاول بكل ثقلها تنفيذه، وخصوصاً أن الولايات المتحدة بدأت ترسل دعمها يوم 9، وبدأت آثار الدعم تظهر في خط القتال من يوم 11.
وقام العدو، ليلة 15/ 16 أكتوبر، بعد هجوم مركز على الجانب الأيسر للفرقة 16 من الجيش الثاني، باستغلال هذا الهجوم، وعبر في منطقة الدفرسوار بقوة من المظلات وسبع دبابات زادت إلى 30 دبابة، مستغلا طبيعة الأرض من المناطق المزروعة والمباني المهدمة في اختفاء دباباته والقتال في الدفرسوار.
ثم دارت معارك طاحنة شرق وغرب الدفرسوار بين قواتنا وقوات العدو، وتكبد فيها الطرفان خسائر كبيرة إلا أن خسائر إسرائيل، باعترافهم واعتراف أميركا في هذه المنطقة، كانت من الفداحة حتى أن إسرائيل قررت وقف هذه العملية في مرحلة معينة.
ولا أفشي لك سراً إن قلت أن هذه الثغرة كدنا نقفلها تماماً في المراحل الأولى لها بواسطة قواتنا.
وفي الوقت نفسه، فشلت هجمات العدو المضادة تماماً على طول مواجهة الجيشين في الشرق بقصد فتح ثغرات أخرى في أماكن أخرى، وفشلت في جميع الأماكن عدا الدفرسوار.
وأريد أن أنوه هنا أنه بنهاية يوم 22 أكتوبر 1973، وعند تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 338 بوقف إطلاق النار، كان جيب العدو غرب القناة لا يزيد في حجمه عن نصف رأس كوبري واحد لإحدى فرقنا الخمس شرق القناة، وأنه استنفد ستة أيام من القتال الرهيب، استخدمنا فيه كل قواتنا الجوية وكل أنواع الصواريخ والمدفعية.
ثم استمر العدو، وتحت ستار وقف إطلاق النار، في التوسع جنوباً ليحول مغامرته المحفوفة بالخطر إلى وضع أكثر أمناً لقواته.
وفي الوقت نفسه، كان يريد قطع خطوط إمداد فرقتين من الجيش الثالث موجودتين شرق القناة، وذلك للمساومة بهذا الوضع، واضعاً في اعتباره أن الذي يؤمنه، أولا وأخيراً، هو قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار وليس قوته من الناحية العسكرية، حيث كان وضعه حرجاً للغاية غرب القناة، خصوصاً بعد فشله في اقتحام مدينة السويس الباسلة.
س - هل يمكن ذكر
حجم قوات العدو في هذا الجيب، وما هي الخطة التي وضعت لتدميره، وهل كانت قواتنا
المتوافرة وقتها كافية لتنفيذ هذه الخطة؟
ج - لقد وجد العدو أن موقفه في
الغرب حرج وضعيف، لذلك دعم قواته في الجيب حتى وصل حجم قواته في النهاية إلى 7
لواءات، تشمل حوالي 550 دبابة.وكان تنظيمه لقواته يبين تماماً أنه كان في وضع الدفاع لا الهجوم. كما رص أمامه 750 ألف لغم رفعناها بعد ذلك، وهي في حوزتنا سليمة الآن. ومن هذا يمكن أن تقدر مدى قلقه.
أما بالنسبة لقواتنا، فقد تم احتواء العدو بالكامل، وأحيط بالقوات من كل جانب ومن كافة الاتجاهات، عدا ممر ضيق جداً في الدفرسوار بعرض 6 كيلومترات.
وفي الواقع إن وقف إطلاق النار الفعلي كان الساعة 11 ظهر يوم 28/ 10/ 1973 - وأصدرت أوامري ببدء حرب استنزاف جديدة اعتباراً من يوم 31/ 10/ 73، أي بعد يومين من وقف إطلاق النار.
ولك أن تسأل نفسك، لو أننا كنا في موقف الضعف، هل كان ممكناً أن أصدر هذا الأمر بعد يومين من وقف إطلاق النار بكل احتمالاته؟
لقد كانت حرب استنزاف غير معلنة من جانبنا، اكتفاء بما كانت تعلنه بلاغات العدو وتقارير الأمم المتحدة.
وكانت أهداف حرب الاستنزاف غير المعلنة هذه، هي:
- إحداث أكبر خسائر في العدو في قواته البشرية ومعداته وأسلحته، وأن يصبح وضعه في الجيب غير محتمل مع استمراره في تعبئة الاحتياطي، وهو ما لا يمكن للعدو أن يتحمله مدة طويلة.
- عدم تمكينه من تثبيت اقدامه بتدمير تجهيزاته الهندسية ومعداته التي تظهر في المنطقة.
- اكتساب مزيد من الأرض شرقاً وغرباً.
ويمكن أن يوضح البيان التالي لك مدى نشاط قواتنا المسلحة في الفترة من 31/ 10/ 1973 إلى 18/ 1/ 1974، أي يوم توقيع اتفاقية فصل القوات.
لقد نفذنا، طبقاً لبيانات العدو، 439 عملية، منها 93 في شهر نوفمبر 73، 213 في شهر ديسمبر 73، 133 في شهر يناير 1974.
كما أسفرت هذه العمليات، طبقاً لبلاغات هيئة الرقابة الدولية وبلاغات القوات الإسرائيلية نفسها، عن الخسائر الآتية في العدو:
11 طائرة. 41 دبابة ومدرعة. 10 رشاشات ثقيلة. 36 "بلدوزر" ومعدة هندسية ومركبة. إصابة ناقلة البترول (سيرينا) الإسرائيلية. إغراق زورق إنزال بحري. قتل 187 فرداً للعدو.
علاوة على عدد الجرحى والذي يمكن تقديره بأضعاف خسائره في الأرواح. وللقارئ أن يستنتج أن الخسائر أضعاف ذلك بكثير، إذا كانت هذه بيانات العدو.
كما أؤكد لك، وقبل أن أدخل في شرح التخطيط لعملية تصفية الجيب، أن الفرقتين 7 و 19 مشاة من الجيش الثالث (قوات بدر) الموجودتين شرق القناة ومدينة السويس، كان لديهما كل احتياجاتهما من الذخيرة والوقود والمياه والتعيينات التي تسمح لهما ليس بالصمود فقط بل بالاشتراك في الهجوم الذي كان مرسوماً. كما استمر إمداد هاتين الفرقتين بشتى الوسائل حتى قبل إشراف الأمم المتحدة على هذا الإمداد.
- أما عن التخطيط لتدمير العدو في هذا الجيب، فأود أن أوضح لك أولا أن نقط ضعف الجيب كانت أساساً: عنقها الضيق (6 كيلومترات فقط) وحجمها الذي يشبه "القنينة" بحيث يمكن تقطيعه، أنه كان بعيداً جداً عن خطوط تموينه وإمداداته. وأن قواتنا القريبة من تموينها وإمدادها كانت تفوقها عدداً وعدة وتحيط بها من كل جانب. ولقد بدأ وضع خطة تصفية الجيب يوم 29/ 10/ 1973، أي بعد وقف إطلاق النار بأقل من 24 ساعة، وبعد أن تم احتواء العدو بالكامل ومن كل جانب. وجدير بالذكر هنا أن القوات التي احتوت الجيب، من يوم 16 أكتوبر [تشرين الأول] حتى وقف إطلاق النار، كانت ضخمة، وأن العدو لم يتصور أن لدينا هذه القوات، فأذاع أننا دفعنا بالجيش الأول من القاهرة إلى الجبهة. وكان تقديري ضرورة تعيين قيادة واحدة وقائد واحد لتدمير هذا الجيب بالكامل، وعينت قائداً واحداً هو اللواء سعد مأمون، مساعد وزير الحربية حالياً والذي كان قائداً للجيش الثاني في معارك أكتوبر .
وقد عرضت على السيد الرئيس السادات، القائد الأعلى للقوات المسلحة، الخطة، وصدق عليها سيادته في اجتماع للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بالقناطر يوم 24/ 12/ 1973.
وقد خصص لتنفيذ هذه العملية 5 فرق، منها فرقتان مدرعتان، و 3 فرق ميكانيكية، علاوة على احتياطي القيادة العامة.
وتوضح الخريطة كيف كان سيتم تدمير العدو من جميع الاتجاهات مع إقفال ممر العدو في الدفرسوار الذي لا يزيد عرضه على 6 كم، والوصول إلى السويس بأسرع ما يمكن.
وفي الوقت نفسه يتم تصفية الجيب بتقسيمه إلى جيوب فرعية، وتدميرها جزءاً جزءاً، وذلك بخمس فرق مدرعة وميكانيكية في خمسة اتجاهات كما هو واضح. أما القوات الجوية وقوات الدفاع الجوي والبحرية والصاعقة المظلات، فكانت ستدعم أعمال القوات البرية بخطة نسقت تنسيقاً بالغ الدقة.
ومن الطبيعي أن خطة تدمير الجيب غرب القناة كانت لن تكتفي بالعمليات غرب القناة بل كانت قواتنا شرق القناة، وهي خمس فرق مشاة مدعمة، ستشترك في عمليات هجومية ليس من الصالح العام ذكرها الآن.
هكذا ترى أن القتال لم يهدأ لحظة واحدة، واستمر بعد وقفت إطلاق النار، وحتى توقيع اتفاقية الفصل بين القوات. وأنه تم التخطيط والإعداد في صمت وسرية للقضاء على الجيب غرب القناة، وتم التنسيق الكامل بين مختلف الأسلحة وتنظيم التعاون بين الأفرع الرئيسية والقوات البرية طبقاً لما أسفرت عنه خبرة القتال المكتسبة من حرب أكتوبر مستغلين نقط ضعف العدو في هذا الجيب أفضل استغلال. وهذا ما أجبر العدو على الانسحاب لتأكده من أن الموقف ليس في صالحه، وإلا ما كان لينسحب ويترك موقعه على الضفة الغربية مطلقاً.
س - سمع الناس
كثيراً تعبير إعداد الدولة للمعركة، فما هو بالضبط؟ وما الجديد فيه؟
ج - لأول مرة، وبإرشاد من السيد الرئيس، تم ما يسمى بإعداد الدولة للحرب،
وكان لسيادته الفضل الأول في هذا الموضوع.ولقد كان للتنسيق بين القوات المسلحة وأجهزة الدولة المعنية قبل المعركة بوقت طويل فيما يتعلق بإعداد الدولة للحرب، أثره الفعال عند إدارة العمليات الحربية.
وعلى سبيل المثال، فقد تم الآتي: التنسيق مع أجهزة الإعلام ووزارة الخارجية فيما يتعلق بخطة الخداع الاستراتيجي التعبوي.
التنسيق مع وزارة البترول فيما يتعلق بحجم الاحتياطي من البترول ومدة كفايته، ووضع الخطط البديلة لاستمرار إمدادات البترول الخارجية في حالة توقف المصادر المحلية.
التنسيق مع وزارة التموين فيما يختص بالاحتياجات الإدارية اللازمة للقوات المسلحة.
إنشاء مراكز القيادة اللازمة للوزارات المختلفة والتي تعمل منها أثناء إدارة العمليات الحربية، وربطها بجهاز القيادة العامة للقوات المسلحة.
إلمام الوزارات المختلفة بأعمال العدو المحتملة وتصورات المعركة القادمة، ودراسة ردود الفعل المحتملة لدى أجهزة الدولة، مع دراسة أسلحة العدو وإمكانياتها ومدى تأثيرها على المنشآت الحيوية بلجان قامت بالمرور على الوزارات. علاوة على الجهود الذاتية الجبارة التي قامت بها الوزارات، كل في اختصاصها.
س - ما هو رأي
العسكرية المصرية في تصرف إسرائيل العسكري إزاء هجومنا. لقد حاكموا أنفسهم في
تحقيق لجنة اغرانات، لكنهم حاولوا أن يصوروا الهزيمة على أنها أفكار فردية
ومصادفات. فأين أخطأوا في رأيك، وأين أصابوا؟
ج - وضعت إسرائيل في تقديرها
السياسي الاستراتيجي، أنه من المستحيل على مصر أو مصر وسورية أن تشنا حرباً،
معتمدة في ذلك على تصورها أن جيشها فعلا لا يقهر، وأنه ما من حاكم مصري يمكنه أن
يتخذ قرار حرب في الوقت الذي يمكن أن يتعرض فيه عمق الدولة المصرية لضربات ردع
قوية، وكانت أسيرة هذا التقدير في كل تصرفاتها.إلا أنه من الناحية السياسية، كان لسوء حظها إن وجد هذا الرئيس القائد الأعلى للقوات المسلحة الذي قرر الحرب واتخذ القرار.
أما من الناحية العسكرية، فكانت إسرائيل تبني استراتيجيتها على نظرية الأمن الإسرائيلية. وهذه النظرية كانت مبنية، في تصوري، على الأسس التالية:
اعتمادها على مخابرات على درجة عالية من الكفاءة ومن أرقى المخابرات في العالم، كما كانت تعاونها المخابرات الأميركية.
حدود آمنة بعيدة عن قلب إسرائيل، والكثافة السكانية بالاحتفاظ بخط قناة السويس ومرتفعات الجولان التي استولت عليها عام 1967.
كفاءة عالية في تعبئة الاحتياط والذي كانت إسرائيل تبني على هذه السرعة أسس تكوين جيشها من جعل القوة الصغرى هي القوة النظامية، والقوة الكبرى هي القوة الاحتياط، معتمدة في ذلك، كما قلت، على اطمئنانها التام أنه خلال 48 ساعة يمكن أن تعبئ قواتها المسلحة بالكامل. تفوق جوي وقوة ردع بالطيران بنوعيات طائراتها ومداها، وأن في هذه القوة الجوية من الضمانات التي تجعل كلا من مصر وسورية لا يمكن أن تفكر في شن أي هجوم
عليها، خوفاً ليس فقط على إبادة قواتها المسلحة بل على عمق الدولة في كل من سورية ومصر. اعتماد مطلق على قواتها المدرعة وكفاءتها بالتعاون مع طيرانها القوي في شن ضربات عنيفة في الأرض الصحراوية المفتوحة ضد أي قوات يمكن أن تعبر قناة السويس.
فما بالنا، في تصورهم، إذا اعتمدت هذه الضربات المضادة على خط بارليف الحصين المنشأ على أخطر وأمنع مانع مائي صناعي في التاريخ.
اعتماد إسرائيل على أنه لا يمكن أن تشترك أي دولة عربية مع الأخرى في أي حرب، لذا، كانت إسرائيل تضع في اعتبارها العمل ضد كل جبهة منفصلة.
كما كانت إسرائيل تعتمد على أمرين آخرين، وهما اعتمادها دائماً على دولة عظمى.
وفي السنوات الأخيرة، كانت تعتمد اعتماداً كلياً على أميركا، وهو ما ثبتت صحته في هذه الحرب، ثم تفضيلها الدائم لأن تكون الحرب قصيرة وخاطفة.
لذلك، فإن الخطوط الرئيسية لخطط إسرائيل كانت تبنى على أساس الاحتفاظ بخط قناة السويس الذي حصنته بقلاع بارليف وشرم الشيخ، التي تؤمن ملاحتها، والتمسك بمرتفعات الجولان السوري، واعتمادها الكامل على خطط التعبئة والتفوق الجوي والمدرعات.
وقد درسنا وحللنا هذا تماماً، ووضعنا خططنا التي كانت تهدف أساساً إلى التقليل من نقاط قوة العدو والاستفادة من نقط قوتنا، واستغلال نقط ضعف العدو والتقليل من نقط ضعفنا - طبقاً لإمكانياتنا المتاحة - وهذا التحليل العميق يوصلنا إلى النتائج الآتية:
أولا: وضح تماماً أن مخابراتها فشلت تماماً في فهم كل ما تم قيامنا به من إجراءات خداعية على كافة المستويات، علاوة على كفاءتنا الحقيقية في تخطيط وتنفيذ خطط الخداع الاستراتيجي والتعبوي والتكتيكي والتي أدى هذا الفشل إلى تحقيقنا للمفاجأة، مما أدى إلى عدم إمكانية تنفيذ التعبئة في الوقت المناسب.
ورغم أن إسرائيل قد أمرت بالتعبئة فعلا يوم 5/ 10، إلا أن هذا القرار كان متأخراً.
ثانياً: كذلك لم تتمكن من القيام بالحرب الوقائية، بأن تكون البادئة بضربة إجهاض لتحضيراتنا، ولأول مرة أخذنا في يدنا زمام المبادأة.
ثالثاً: ثبت أن هناك أوجه قصور كثيرة في تنفيذ التعبئة، ولم تسر كما هو مخطط لها، رغم تصورهم أن نظام تعبئتهم من أفضل الأنظمة في العالم.
رابعاً: أما بالنسبة لتفوقه الجوي، واعتماده عليه كقوة ردع، فلقد فوجئ العدو بأنه أمكن لمصر أن تسقط طائراته بالعشرات كل يوم، حتى أنه خسر 75 طائرة في اليوم الأول للقتال وتساقطت كالفراش، معتمدين في مصر على خطة ذكية، وهي أنه يمكن تحييد القوات الجوية بإنشاء شبكة دفاع جوي متكاملة بالتعاون الكامل مع المقاتلات. ولم يأت ذلك جزافاً، بل جاء نتيجة دراسة عميقة وتجربة كبيرة في حرب الاستنزاف.
ولقد فوجئ العدو فعلا بهذه النظرية الجديدة في الحرب ضد الطائرات، ولم يتصور أن مصر يمكنها أن تقوم بمثل هذا العمل.
أما عن استخدام قواته الجوية كقوة ردع في عمق الدولة، فأعتقد أنكم توافقونني على أن تقديره كان خاطئاً، بدليل أنه لم يحاول ضرب العمق، لأنه كما قال السيد الرئيس "العمق بالعمق"، وكنا جاهزين للتنفيذ إذا أمرنا بذلك.
أما عن كفاءة قواته المدرعة، وقوله المأثور في إسرائيل كشعار (الفخر كل الفخر للمدرعات)، فإن ما حدث لمدرعات إسرائيل في هذه الحرب قد فاجأها، بل وفاجأ العالم كله، ولو أنني لا أنقص من قدر المدرعات مطلقاً، إلا أنه ثبت أن فرد المشاة الشجاع المسلح بالأسلحة المضادة للدبابات والصواريخ المضادة للدبابات، يمكن أن يقلب سيادة المدرعات رأساً على عقب في مواقف معينة.
فلقد فشل العدو، ولم يمكنه فرد المشاة الشجاع من استخدام قواته المدرعة في الآتي، على سبيل المثال:
لم يقم بالفتح التعبوي أو التكتيكي في الوقت المناسب، وبالتبعية لم يحتل الساتر الترابي الذي كان مجهزاً به موقع لكل دبابة، بين الواحدة والأخرى 150 متراً، على مدى 175 كم بطول قناة السويس.
هاجمت قواتنا المسلحة على مواجهة تقدر بـ 175 كم، وأجبرناه على تشتيت جهود مدرعاته في كل اتجاه وبأعداد قليلة، مما سهل تدميرها جزءاً جزءاً.
لم يستوعب درس قتال اليوم الأول أو الثاني بسرعة كافية من ذهول المفاجأة، مما جعله مستمراً في قيامه بهجمات مضادة بالشكل النمطي، مما أدخله في نطاق ما أطلق على أسلوبنا المبتكر هذا بمفرمة اللحم، وهو تدمير جميع دباباته في هجماته المضادة المتكررة.
أما فيما يختص باعتماده على حرب قصيرة، فلأول مرة تعتبر حربنا - نسبياً - ليست بحرب قصيرة، وتكبد فيها خسائر فادحة على الجبهتين المصرية والسورية.
وأصل إلى قمة فشله في هذه المعركة، والتي أجلت الحديث فيها إلى آخر الحديث، وهو ما أظنكم توافقونني، والعالم كله يوافقني، أن نظرية الأمن الإسرائيلية ثبت فشلها.
فلا احتفاظه بشرم الشيخ منعنا من إقفال الملاحة الإسرائيلية في باب المندب، ولا احتلاله للمانع المائي بحصون خط بارليف منعنا من اقتحامه والاستيلاء عليه.
لقد نجحت إسرائيل في شيء واحد، هو اعتمادها على دولة عظمى. نعم.
وأعتقد أنه لولا التدخل الأميركي لأصيبت إسرائيل بهزيمة نهائية.
س - واستطراداً لنفس السؤال، هل درسنا نفسية الأسرى
الإسرائيليين الذين أتيح لنا أسرهم بهذه الأعداد لأول مرة، واستخلصنا فكرة وسمة
العسكرية الإسرائيلية؟
ج - نعم. درست القوات المسلحة
نفسية وسمات الجنود الإسرائيليين الأسرى في حرب أكتوبر سنة 1973.وخرجت باستنتاجات كثيرة، منها، على سبيل المثال وليس الحصر:
1 - معظم جنود الرتب الصغيرة من اليهود الشرقيين (85 %)، والرتب الكبيرة مقصورة على الغربيين.
2 - معظمهم يقع تحت أوهام الدعاية الإسرائيلية الداخلية. مثلا، يصورون لهم مشكلة فلسطين، بأنه حدث تبادل بشري بين الدول العربية وإسرائيل، ولا يوجد يهود في مصر، بل أن مصر شردتهم وحطمت معابدهم.
وعندما زار عساف ياغوري أسراً مصرية يهودية في الزمالك والمعبد اليهودي، فإنه قال بالحرف الواحد: لقد وقعنا تحت وهم المؤسسة العسكرية في إسرائيل لأكثر من 20 عاما، وعندما سأعود سأبصق في وجه دايان وأمثاله.
3 - معظم القادة والجنود من الاحتياط (4 من خمسة)، ويكرهون الحرب، ويفضلون وظائفهم المدنية عليها.
مثلا، عساف ياغوري يعمل مدير فندق في ناتانيا، ولما زار بعض فنادق مصر (شبرد، سميراميس، مينا هاوس، إلخ)، قال هذه الفنادق لا تقارن بفنادق إسرائيل ولكن تقارن بفنادق أوروبا!
4 - جعلنا، بعد ذلك، كل أصحاب مهنة يزورون المصانع والمؤسسات التي تماثل مهنهم. الأطباء يزورون المستشفيات ومعامل الأدوية، المهندسون يزورون مصانع الحديد والصلب وغيرها. وقالوا أنهم فوجئوا (على خلاف الدعاية الداخلية عندهم عن مصر)، بمدى هذا التقدم.
5 - معظم الجنود ملوا الحروب، وفقدوا الثقة في قادتهم، فكل مرة تحدث فيها حرب يقولون لهم "هذه آخر الحروب"، أو هذه هي الحرب التي ستنهي كل الحروب.
ومع ذلك، فالواضح أنهم سيعيشون في حرب ما دامت إسرائيل تحتل أرضاً عربية.
6 - الشبان تحت سن الثلاثين يحقدون على الشباب الأوروبي لتمتعه بالحياة والرقص والحب. وقال أحدهم: عندما أزور أوروبا أجد كل شاب مع فتاته، ويستمع إلى الموسيقى في كل مكان. أما أنا فأضع الراديو الترانزستور على أذني، لكي أسمع دائماً أنباء اشتباكات الحدود وتوقعات الحرب المقبلة.
7 - فقدوا الثقة في معظم أحزابهم السياسية.
8 - كلهم يشتكون من الغلاء في إسرائيل، ويحسدون الترف غير العادي للحكام والرتب الكبيرة.
9 - مل أبناء الكيبوتس الحياة الجافة التي يعيشونها هناك، ويحسدون أبناء المدينة.
10 - قالوا عن المهاجرين إلى إسرائيل الذين من الخارج أنهم يطمعون في حياة اقتصادية أفضل من بلادهم (وليس لمعتقد ديني)، ولذلك لن ينزح يهود أميركا أبداً إلى إسرائيل!
س - الآن - في
هذه المرحلة - تثار قضية تنويع مصادر السلاح، هل هذه ميزة أم عقبة؟
ج - تنويع السلاح له مزاياه وعيوبه.فالأمر الذي لا مناقشة فيه، هو أن الاعتماد على جهة واحدة للسلاح قد يحتمل في وقت ما أن يكون قيداً علينا. إلا أنه لا شك أيضاً أن في توحيد السلاح مزايا عديدة مثل: استيعاب أفضل - إعداد كوادر فنية بطريقة أسهل - إمداد وصيانة وإصلاح أيسر.
أما تنويع السلاح فيعطي حرية حركة أفضل، ويجعلنا ننفتح أكثر على الاتجاهات المختلفة للأسلحة المتقدمة، مما يعطينا فرصة أكبر وخبرة أعمق في إرساء قاعدة صناعية حربية، كما يمكن تكامل هذه الأسلحة المختلفة بأن تغطي مزايا أسلحة معينة أوجه قصور في أسلحة أخرى.
وفي مصر، على سبيل المثال، قبل معركة أكتوبر قد انفتحنا فعلا في اتجاهات مختلفة، ولكن في المعدات التكميلية المتطورة التي تزيد من كفاءة الأسلحة الموجودة الأساسية.
وفي ظروفنا وإمكانياتنا، كان سلاحنا سوفيتي الصنع، ولنا مدة طويلة نستخدمه، وكان سنداً لنا، ولو أننا قمنا بتكميل بعض معدات متطورة تكميلية من الغرب، إلا أن السلاح الرئيسي هو السلاح السوفيتي. ولنا أن نشكر الاتحاد السوفيتي الذي عاوننا سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وكذلك على جودة سلاحه، كما نشكر الرجال المصريين الذين حاربوا به.
س - وإلى أين
وصلت إقامة الصناعات الحربية العربية؟
ج - من المسلم به أن الأمة العربية تمتلك من الإمكانات المادية والبشرية
والعلمية ما لو أمكن تجميعه لتمكنت الدول العربية من كسر الاحتكارات العالمية التي
تسيطر على إنتاج وتوزيع الأسلحة والمعدات الحربية في العالم، ولاستطاعت الأمة
العربية أن تحقق قدراً كبيراً من الاكتفاء الذاتي الذي يمكنها من الدفاع عن نفسها
وعن مقدساتها.ولقد خطت الدول العربية خطوات على هذا الطريق، فقد أجمعت على أهمية إنشاء قاعدة صناعية عربية للصناعات الحربية، وأجمعت على المساهمة في تكاليف إقامة هذه القاعدة، وكلفت اللجان المتخصصة بإجراء دراسة تفصيلية للمشروعات التي ستبدأ بها. ونأمل أن نرى قريباً طائرة عربية، ودبابة عربية، وسفينة عربية، تحمي أجواء وأراضي وشواطئ العالم العربي. وكلي أمل أن يقتنع الجميع بأهمية سرعة تحقيق هدف إقامة قاعدة للصناعة الحربية العربية إزاء الإيقاع السريع لتطور العالم.
قالوا عنه
الخبراء العسكريون يقولون أن المشير
أحمد إسماعيل بطل من جيل الألم، فقد قاد ثلاث حروب تجرع فيها مرارة الهزيمة مع
أبناء مصر وعندما تولى مهمة القيادة كان النصر حليفا لمصر وكان نصر أكتوبر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق